الانسان كائن مادي و لكنه مدعو حسب خلقته و تدبير الثالوث ان يتشارك و يسمو الى ماهو فوق طبيعته "وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً." (تك 2: 7) و على هذا المنوال تعامل الثالوث مع الانسان بالمادة ليسمو الى ماهو ابعد من المادة . فأمره …
الانسان كائن مادي و لكنه مدعو حسب خلقته و تدبير الثالوث ان يتشارك و يسمو الى ماهو فوق طبيعته “وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً.” (تك 2: 7)
و على هذا المنوال تعامل الثالوث مع الانسان بالمادة ليسمو الى ماهو ابعد من المادة .
فأمره أن يبني خيمة للإجتماع و أن يصنع تابوت لحفظ العهد و يصور و ينحت كل ماهو مادي ليكون ” رمز أيقوني ” لما هو أبعد من رؤية العين البيولوجية .. و ينجو بها الانسان من الوقع في فخ الوثنية !
ففي حين يرى البعض التماثيل و الايقونات و المادة بشكل عام هي وثنية جديدة .. أصبحت المادة بعد ” التجسد ” واقي و درع ضد الوقوع في الوثنية مرة أخرى .
فيقول القديس يوحنا الدمشقي – من أشهر مدافعي الايقونات – في كتابه ” الدفاع عن الايقونات ” ص 21
” أنه من المُحال في الواقع أن تُصنع صورة لله غير المتجسم و غير المنظور و غير المادي ؛ الذي لا شكل له و الذي لا يمكن أن يُحد ولا أن يُدرك . فكيف يمكن أن يُصوَّر مَن لم يُرى فعلاً ؟! فالله لم يره أحد قط ، الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو أخبر بذلك ”
” لذلك لا أستحي من تصوير الإله غير المنظور، لا لأنه غير منظور بل لأنه صار منظوراً من خلالنا في اشتراكه بالجسد و الدم – المادة – ولا أصور الألوهية غير المنظورة بل أصور جسد الله المنظور ” ص 23 من نفس المرجع
فالأساس في تصوير الإله هو أنه ” تجسد ” و صار بالمادة أي بجسده منظوراً منا .. رأيناه و لمسناه و عايناه .. و لم يستحي أن يكون منظوراً منا .. بل لأنه هكذا أحب العالم فتجسد لكي نراه .. فلا شركة بدون رؤية .. ولا رؤية بدون لقاء ” اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ . فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضًا شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.” ( 1يو 1 : 1-3 )
” و أما ان رأيت من لا جسم له متأنساً من أجلك، فعندئذ تصنع لك صورة مثال ما رأيته ، و عندما ترى الذي لا جسد له و لا حدود ولا كم و لا سن ولا قياس و لا مقدار له بسبب سمو طبيعته الخاصة و الذي له هيئة إلهية آخذاً هيئة عبد و مُخضعاً جسده للكم و السن و السجية، فعندئذ تحفر هيئته على لوحتك الخشبية و تقدمها للتأمل لأنه أرتضى بأن يُرى ” ق. يوحنا الدمشقي
ان إشكالية الوثنية كانت تكمن في ما يمكن أن نسميه ( الاستبدال و الاختزال الالهي ) ، الاله في الديانات الوثنية لم يكن منعزلاً عن المادة بل هو حاضر في المادة .. حضور يصل الى درجة التماثل الكامل أو الانحصار .
فعلى سبيل التوضيح أن نرى أن الشمس هي الاله هي مادة و هي الاله بنفس الوقت وهكذا
انما الحضور المسيحي مختلف تماماً عن الحضور الوثني ، لأن الله شخص متسام عن كل ما هو مادي لكنه فاعل في المادة، فالمادة تذيع مجد الله و تخبر بصنيعه و انما المادة ليست هي الله “اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ.” (مز 19: 1) .
ففي هذا السياق اوضح ق. يوحنا الدمشقي هذا التلابس و عدم الوعي ” فأنا لا أسجد للمادة بل لخالق المادة الذي صار مادة – أي أخذ جسداً – من أجلي و الذي قَبل أن يعيش في المادة ليخلصني بالمادة، كما و لا أكف عن احترام المادة التي بها صُنع خلاصي ” ص 31/ المرجع السابق
فالأيقونة ليست هي الله في جوهره حينما نتعبد او نصلي أمامها، و لكنها النافذة التي تنفتح أمامنا لتنشط بصيرتنا من خلال الرموز في خبرة تتعدى الحواس و لكنها تتلقى حافزها الاول من الحواس التي تتأمل الايقونة .
” لا تهن المادة لأنها ليست شائنة و لأن ما من شيء يأتي من الله يكون شائناً في الواقع، بل هذا هو رأي المانويين ” ق. يوحنا الدمشقي / المرجع السابق
اعتقد المانويين بمبدأين إلهيين – ظنوا بأن المادة شريرة لأنها من صُنع إله شرير
فتكريم المادة هو بمثابة تكريم للتجسد و لعمل الثالوث و صنعه لأنه لا يخلق شيئاً شريراً في ذاته .. و الوعي و الفهم الصحيح للمادة هو من يقي أنفسنا من الوقوع في الوثنية .
فالايقونة في فكر الكنيسة هي إمتداد للتجسد و إمتداد للخلقة الاولى للانسان الذي خُلق على حسب الصورة او ايقونة الابن الوحيد .
فالانسان ليس ” صورة الله ” بل ” على الصورة ” ، إذ أن يسوع وحده هو صورة الله، بينما الانسان ” على الصورة ” هو إذا صورة الصورة ( ماريوس فكتورينوس / ضد أريوس ) .
وضع الله الثالوث فكر الايقونة في وعي الانسان من اول خلقته لتتحقق بكاملها في ملء الزمن بتجسد اللوغوس . لكن هو الاساس و المسطرة في كتابة الايقونة . و يكون الانسان في ملء الاتحاد بالروح القدس ليخبره عن المسيح علانية .
فالحاجة ماسة للأيقونات لأنها تعطينا فهم و وعي أرثوذكسي لطبيعة المادة و كيفية التعامل معها ، ولا نرفض المادة بل نكرمها و نوقرها لأن بالمادة تم خلاصنا حسب ق. يوحنا المشقي .. فخشب الصليب مادة و جبل الجلجثة مادة و القبر مادة و الحبر و الورق مادة – يقصد الكتاب المقدس – و أواني المذبح و القربان و الخمر كلها مادة .. و الابن نفسه استخدم المادة لتحقيق الخلاص .
” الايقونة ” تعطينا الحضور الثالوثي من خلال الرموز و الالوان و الخطوط من خلالها نُعاين أموراً سماوية غير مُعبر عنها الا برمز !
” الايقونة ” تعطينا شركة في الحضور الالهي لأنها ليست مجرد صورة مرسومة ! او زينة جمالية تضاف للكنيسة ، انها شركة و دعوة للإنسان ان يكون أيقونة حية و ان يشترك في القداسة مع القديسين . و ان يكون عضو في جسد ابن الله يأخذ من بره و طهارته و روحه و حياته .
” الايقونة تُظهر و تُبدي كل متهو محجوب، فلا يوجد عند الانسان معرفة خالصة لما لا يُرى لأن النفس محجوبة بالجسد، فحتى يصل الانسان الي المعرفة و حتى تنكشف الأمور المحجوبة و يعرفها الجميع ابتكرت الايقونة بهدف المنفعة و البر و الخلاص .
” فالامور المرئية هي الصورة التي يتجلى فيها غير المنظور ” ديونيسيوس الأريوباغي
فلايقونة تنقل لنا النعمه بصورة سرية و تطبع فينا صورة الابن الوحيد بفعل الروح القدس ، لأنها كمثال الانجيل، بشارة مفرحة مُغيرة لكيان و وعي الانسان ، بشارة فاضحة لأعمال الظلمة و شهادة على أن الابن تجسد ورأيناه و ان اعضاؤه على مثاله فأيقونات القديسين توضع على نفس مستوى ايقونة يسوع . بل أن ايقونات القديسين هي بمثابة ايقونة يسوع ، لأن الرأس و الجسد كيان واحد .
يظل يسوع هو الرأس و البداءة و المُحرك و المُغير و المُقدس لكن لا يوجد رأس بدون جسد ولا جسد بدون رأس .
في الايقونة ترى ذاتك الحقيقية ودعوتك ، عندما ننظر أيقونات القديسين نؤمن إننا كذلك سنصير معهم يوما ما، و ان العامل في القديسين هو نفسه العامل فيا .. فلا بر ذاتي لأحد و بالمفرد .. فكل الكنيسة تأخذ من يسوعها حسب تدبير الروح القدس و استيعاب الانسان .
فالايقونة مادة و لكنها فلسفة الروح هي تحول ديناميكي ليتورجي
” حوادث الخلاص في الأيقونة لا تُفسر تاريخياً بل سرائرياً و تتحد بنا ليتورجياً، و تصير هذة الحوادث شهادة ” للحياة الأخرى ” التى أقتحمت حدود الفساد، إنها تدعونا لوليمة روحية ، الأن هنا ” الأرشمندريت باسيليوس