المرة اللي فاتت اتكلمنا عن ان مافيش آليثيا بدون سر (ميستيريون).. لو ماقريتش آخر مقالة، أشجعك تقراها قبل ما تقرأ دي. [النور أضاء في الظلمة، والظلام لم يدركه/يقبله/يستوعبه] (١) السر الإلهي المخفي في الظلام مش هاينكشف ولا هتبان الآليثيا المحتواه فيه إلا بشروق النور الإلهي في قلب الإنسان لحد ما يصير الإنسان …
المرة اللي فاتت اتكلمنا عن ان مافيش آليثيا بدون سر (ميستيريون).. لو ماقريتش آخر مقالة، أشجعك تقراها قبل ما تقرأ دي.
[النور أضاء في الظلمة، والظلام لم يدركه/يقبله/يستوعبه] (١)
السر الإلهي المخفي في الظلام مش هاينكشف ولا هتبان الآليثيا المحتواه فيه إلا بشروق النور الإلهي في قلب الإنسان لحد ما يصير الإنسان كله “عين” تبصر النور الإلهي زي ما بيقول القديس مقاريوس الكبير:
[النفس اللي حُسبت أهلا لشركة روح نةر الرب واستنارت ببهاء مجده غير الموصوف، واللي الله أعدها علشان تبقى عرشه وبيته، النفس دي بتصبح كلها نور وكلها وجه وكله عين، ومش بيكون فيها أي جزء مش مليان عيون النور الروحانية، ولا هيكون فيها أي جزء مظلم، لأن النفس كلها بقت نور ومليانة عيون، ومش بيكون لها أي جزء من وراء أو من خلف، لأن صارت بكاملها وجه.. زي الشمس، اللي ملهاش أجزاء من الخلف أو الوراء أو جزء مش منور، لكن كلها بكاملها منورة ومضيئة]( ٢)
أد ايه جميلة كلمات القديس مقاريوس. النفس بتبقى مضيئة لما تلتقي بنور المسيح. نور المسيح بيشع لدرجة أن النفس كلها بتتحول لعين، النفس كلها بتشوف المسيح وتتأمله. النفس كلها بتصير وجه بدون جزء خلفي. القفا، أو الجزء الخلفي، لا يرى، جزء في الظلام محروم من الرؤية. الإنسان دايما خايف من “الخلف”، من الجزء اللي مش متشاف وراء ضهره، من عدم المعرفة. أما النفس اللي كلها وجه، فمفيش أي شيء مخفي عنها لأن سر المسيح بيستعلن لها في النور. طيب فين السر ده علشان النفس تشوفه؟
السر مودع في قلب الإنسان. طول ما قلب الإنسان في ظلام السر عمره ما هيبان، لكن أول يسطع النور الإلهي في قلب الإنسان ويصطدم الإنسان بذاته ويكتشف أن كل ده كان بيدور على السر خارج ذاته مش داخلها، هنا بتبتدي رحلة الإنكشاف، رحلة الآليثيا، وبيبدأ السر ينفتح وينكشف قدامه بواسطة النور الإلهي اللي بينير ظلام قلبه.
النور دائمًا وأبدًا ساطع، الإنسان بس محتاج يدرك/يقبل/يستوعب النور ده جواه ويبدأ يفتح قلبه أكتر فأكتر للنور ده لحد ما يملى قلبه.
القلب المظلم هو جحيم الإنسان. الجحيم المظلم اللي مش ممكن تشوف فيه جمال السر المخفي جواك.. سر خلاصك.. سر جمال المسيح الكامن جواك.
القديس يوحنا ذهبي الفم بيتكلم عن قوة النور الإلهي لما يسطع في الجحيم ويقول:
[الجحيم مكان مظلم وكئيب، محروم من النور منذ الأزل.. لكن لما نزل شمس البر (المسيح) للجحيم، خلاه كله نور وجعل الجحيم سماء، لأنه مطرح ما يكون المسيح، فهناك توجد السماء] (٣)
يمكن أجمل قصة تعبر عن ده هي قصة موت آدم (الإنسان العتيق) في شاول الطرسوسي وقيامة المسيح الحي في قلب بولس الرسول العظيم.
شاول الطرسوسي وهو مسافر دمشق (٤) اصطدم بنور المسيح القوي. طبعًا النور ده مكانش نور مخلوق زي النور بتاع الشمس أو نور الكشافات الكبيرة القوية. ده كان نور المسيح غير المخلوق. النور اللي أول ما اصطدم بعيون ساول الداخلية، عيون قلبه، اكتشف ساعتها بس انه أعمى.
العمى اللي أصاب بولس ٣ أيام مكانش عمى عيونه البيولوجية، بقدر ما كان عمى قلبه اللي اكتشف أد ايه هو مظلم.
القصة بعد كده بتقول انه قعد ٣ أيام لا ياكل ولا يشرب. طبعا ممكن ناخدها بمعنى الأكل والشرب البيولوجي، لكن فيه معنى أعمق.
شاول لما اكتشف ظلام قلبه واصطدم بحقيقة ذاته، بقى يطوق للنور ومش هيشبع قلبه غير رحلة الآليثيا اللي هيبدأ فيها بمجرد ما يسطع أي شعاع نور ولو بسيط على قلبه الجعان للخبز الإلهي والعطشان للخمر الإلهي (الإفخارستيا).مش عايز أكل أو شرب العالم بالشكل اللي كنت باكل وأشرب به قبل كده، الشكل الأناني اللي بيغذي ذاتي.. لكن بالأحرى، نفسي تطوق دلوقتي لأني أكل وأشرب العالم بشكل إفخارستي، بشكل فيه شركة مش إشباع ذات، بشكل يفتح لي أبواب أشوف بها المسيح اللي ظلام قلبي عاميني عنه.
لما حنانيا راح لبولس، قال له: [ربنا بعتني علشان تبصر وتمتلئ من الروح القدس] (٥) (أعمال ٩: ١٧)
البصر هو الإمتلاء من الروح القدس اللي بيملى كيان الإنسان بنور المحبة الإلهية.
المصادر:
(١) بشارة القديس يوحنا، إصحاح ١، عدد ٥
(٢) العظات المنسوبة للقديس مقاريوس الكبير، عظة ١، فقرة ٢
(٣) القديس يوحنا ذهبي الفم، عظة على القبر والصليب
(٤) القديس لوقا الرسول، أعمال الرسل، إصحاح ٩
(٥) القديس لوقا الرسول، أعمال الرسل، إصحاح ٩، عدد ١٧