" هذه هي مهمتنا ، تعميق الإنسان في الوجود قبل إعلان كلمة الله "(١) يمكن تجاهل التساؤلات فيما يخص الإيمان واختياره، وتجاهل الكلام عن تفرُد الإيمان وتفرد الرؤية اللي بيكشفهالي عن نفسي والله وعن العالم المحيط ، مع الإهتمام المُبالغ فيه بالواجبات / الطقوس حتي لو بهدف نبيل ومُخلص لحياة الكنيسة بيحط علي الهامش اهم …

” هذه هي مهمتنا ، تعميق الإنسان في الوجود قبل إعلان كلمة الله “(١)

يمكن تجاهل التساؤلات فيما يخص الإيمان واختياره،

وتجاهل الكلام عن تفرُد الإيمان وتفرد الرؤية اللي بيكشفهالي عن نفسي والله وعن العالم المحيط ، مع الإهتمام المُبالغ فيه بالواجبات / الطقوس حتي لو بهدف نبيل ومُخلص لحياة الكنيسة بيحط علي الهامش اهم شئ لازم يدركه الإنسان في بداية نضجه او وعيه علي الحياة زي ما بنقول ، وهو إن المسيحية قبل كل شئ ، دعوة .. دعوة وجودية ، ومسيرة اكتشاف للغاية الأصيلة من حياتي ، دعوة عليا وطريقة وجود بكتشفها فبختارها بملء حريتي .. والحرية شرط اساسي هنا .. حرية حتي من ترديد العبارات والإجابات الجاهزة علي اي سؤال مهم فعلا في الحياة .

الإيمان حقيقة بيختبرها الإنسان ، رحلة بيمشيها ، مسيرة نمو وتحقُق ، مهواش مجرد موروث ثقافي او حضاري بنسلمه ، ولا هي الكنيسة هي مدارس تلقين ..

لكنها دعوة للإنسان انه يختبر وينفتح اكتر ، يختبر إيمان يُنعش وجوده ويُجدده ، ويطلقه بسلام ، يحرره ميقيدوش ، ويخاطب اعمق ما في داخله “علي قدر ما ينفتح طبعا ” ، وعلشان كده الإيمان التلقيني الخالي من خبرة وحرية هو ايمان سطحي جدا وهش لأي ريح تعليم ..

إلي أن يري يري الإنسان في إيمانه جمال ، يضفي علي حياته معني جديد .. يجدد رؤيته لذاته وجسده ولله والآخر والخليقة كلها ، ولما بيلتزم بالمعني ده بينتشل وجوده من كل ما هو عبثي ومائت ،

والالتزام هنا مش واجب ، لكنه استجابة لجاذبية الحقيقة الإلهية اللي بتتجلي في الإيمان والحياة الكنسية .. وفي المرحلة دي بيكون الإيمان شئ صميمي في الحياة مش منفصل عنها ، ولا هو فكر مُجرد من الإختبار والحياة ولا هو مجموعة فروض وطقوس .. لكنه قبل كل شئ إتجاه داخلي من الإنسان ، عطش داخلي لمعرفة الله والشركة معاه ، الإنسان مدعو انه يكتشف ده كأساس إيماني ، وعليه ينمو ، لئلا يكون إتجاهه نحو الله مش اصيل ، او يتزيف وينحصر في الجمل والتعبيرات والحركات الجسدية ..

بينقصنا احياناً التشجيع علي السؤال ، بل احتضان السؤال القائم اصلاً ، الإنسان يسأل لأنه في داخله دعوة عليا لتجاوز طبيعته ، توق وجودي نحو اصل وجوده وحياته ومن العبث ان إنسانيته تختزل بهذا الشكل .. عبث انه يبني حياته ومعرفته وتصوراته علي السمع والتلقين بدون سؤال .. من العبث انه يغترب عن دعوته الاصيلة ويعيش حياة سطحية ،، يقلد فيها كل شئ .. من العبث انه لا يسأل .. ويتَثقّل وجوده تحت نير الضرورة والحتمية والقدر المسبق ..

السؤال مش هدفه الدوران في حلقات مفرغة .. السؤال مش هو الهدف في ذاته ، لكنه وسيلة للنمو والفهم والارتقاء .. وسيلة انك تكون انسان حقيقي .. انك تسأل يعني انك مُدرك انك مش مصدر حياتك ولا بتملك وجودك لكنه هبة ، معطي من آخر .. والآخر ده هو اصل .. وانت مخلوق كصورته وكل ما تعرفه كل ماتنمو في معرفة نفسك والعالم ، فأي نوع من الأسئلة ممكن يقودنا للحقيقة دي؟

بشوف ان المحك هو إثارة الأسئلة الكبري / الجوهرية عند الإنسان في ودعوته للتركيز بشكل اعمق خارج دعوي السطحية ..

الانشغال بالأسئلة الكبري / الجوهرية بتحدد امكانية اللاهوت للدخول لمناطق اعمق في رؤية الانسان وتفاعلاته مع الحياة .. لمناطق صراعاته الوجودية اللي بيصطدم معاه في مرحلة من مراحل حياته بلا شك ..

بنلاقي ان آباء الكنيسة اللي تحركوا من التساؤلات ” الشخصانية ” زي معني الحياة ، الشر والموت ، علاقة الله بالإنسان ولاهوت الصورة بشكل اساسي ، الغاية من الوجود و حرية الإنسان ، قدموا رؤية وجودية للإيمان قادرة تَعبُر لإنسان اليوم .. والامثلة علي ده كتيرة ..

بتتمثل امانتنا الحقيقة للأباء بالنسبالي في الدايرة دي .. ازاي نقرأ الكنوز دي بطريقة تلامس فكر ووجدان الانسان المعاصر .. يعني بلغة اليوم : نستعيد لاهوت وجودي / مرتبط بشكل مباشر بالخبرة الانسانية .. لاهوت نصلي بيه ، لاهوت نتمخض بيه ونعيشه ..

اعتقد ان تجاهل اللاهوت المسيحي للاسئلة الكبري وانغلاقه في دايرة اللاهوت المدرسي في العصور الوسطي ، بشكل ما كان سبب من اسباب تفاقم ازمات وجودية عند الإنسان بلا بوصلة او كشاف في الطريق ، وفي كل جيل بييجي واحد حر يعيد صياغة الاسئلة دي سواء بشكل مباشر في الفلسفة او الأدب ، زي ما دوستويفسكي كان بيعمل في رواياته وبيجاوب اجابات لاهوتية “احياناً “بإسلوب ادبي ، لان اللاهوت الحقيقي قادر علي التجلي في الفن بشكل عام و الآدب والفلسفة واستخدامهم كجسر لفهم الوجود البشري

من اول ما اخرج اللاهوت مسارات التجربة والخبرة علي المستوي الشخصي و الليتورجي من السياق اللاهوتي واستبدلها بإجابات جاهزة اخرج معاها الانسان واسئلته الوجودية وتغرب عنها .. تغرب عن الانسان وقاده لتبني ايديولوجيات غريبة من محيطه ودمجها بمعتقدات شعبوية منسوبة للإيمان ..

“أي إزدياد في عمق الوجود، أي إدراك لحضور الحب والجمال والموت ، يقود للصلاة”(١)

العودة للكنيسة والتقليد الحي وتمييز الاسئلة الكبري والتفاعل معاها وصياغة اجابات بلغة معاصرة اذا تطلب الأمر ، لاهوت قادر علي الحوار بدون خطر فقدان جوهره وجذوره .. وده اللي ممكن نسميه لاهوت وجودي .

__________________________________

1- Olivier Clément, The roots of christian mysticism

2- الكتاب المقدس والكنيسة والتقليد( وجهة نظر أرثوذكسية ) الآب جورج فلورفسكي

الوسوم:

التعليقات

  1. صديق

    2025-07-26 at 7:43 م

    مقاله رائعه انارت افاق كثيرة في وعى الإنسان

    مقالتك تضع الإصبع على جرح العصر اغتراب الإنسان عن دعوته الحقيقية وحصر الإيمان في طقوس سطحية. المسيح نفسه دعا دائمًا للعمق، وقال: *”أتريد أن تَبرأ؟”* (يوحنا ٥:٦)، السؤال هنا دعوة وجودية لاكتشاف الرغبة الداخلية ومواجهة الذات، مش طاعة عمياء. والكتاب المقدس بيأكد إن الإيمان اختبار وعلاقة متجددة، *”اختبروني في هذا” يقول رب الجنود* (ملاخي ٣:١٠)، يعني أنا مدعو أسأل وأخوض رحلة وجود.

    الرسول بولس بيقول: *”تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة”* (رومية ١٢:٢). إذًا، طريق الإيمان المسيحي مش مسار تقليد آلي، بل بحث حر وحياة منفتحة على كل جديد في الله، وده سر الينبوع اللي دعا له المسيح في يوحنا ٤:١٤ لما قال: *”ومن يشرب من الماء الذي أعطيه أنا، فلن يعطش إلى الأبد.”*

    العطش للمعنى والسؤال عن الدعوة والغاية والوجود هو أول الطريق لإيمان أصيل وناضج، وبلا ده، نبقى عايشين دين بلا روح، برّة النعمة.

    Reply
    • أبانوب أيمن

      2025-07-27 at 6:25 ص

      اشكرك علي اهتمامك ، وعلي إضافة حضرتك الثّرية ..

      Reply
  2. كيرياكوس

    2025-07-27 at 6:18 ص

    مقال جميل جدا جدا
    بسيط وعميق

    Reply
    • أبانوب أيمن

      2025-07-27 at 6:26 ص

      🌷❤️

      Reply

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *