فى سنة أولى إعدادى، فى مهرجان الكرازة، كانت شخصية التاريخ الكنسى اللى بندرسها هى "أثناسيوس الرسولى"، كتابة الشخصية كانت بتركز على الجانب البطولى لأثناسيوس كشماس صغير فى "حماية الإيمان"، إزاى قدر يرفع صوباعه فى وش أريوس فى مجمع نيقية ويوجه له الإتهامات العقائدية المطلوبة، وإزاى قدر يكمل حياته كـ"سوبر هيرو" بيطلع من تحت الموكب الإمبراطورى …

فى سنة أولى إعدادى، فى مهرجان الكرازة، كانت شخصية التاريخ الكنسى اللى بندرسها هى “أثناسيوس الرسولى”، كتابة الشخصية كانت بتركز على الجانب البطولى لأثناسيوس كشماس صغير فى “حماية الإيمان”، إزاى قدر يرفع صوباعه فى وش أريوس فى مجمع نيقية ويوجه له الإتهامات العقائدية المطلوبة، وإزاى قدر يكمل حياته كـ”سوبر هيرو” بيطلع من تحت الموكب الإمبراطورى لقسطنطين فى مشهد ميلودرامى وإضائة خافته وحركة كاميرا لولبية عشان يهزأه قدام شعبه المحتشد ويقوله “لى كلمة لك أيها الملك”، وإزاى كان بيتخفى وسط الشعب اللى بيهربه من بطش المُلاحَقات … طبعاً شخصية مُقدمة بهذا الشكل، تكون مناسبة جداً لمرحلة إعدادى اللى كلها عنفوان وأحلام البطولة

لكن الحلم هنا كان منصب على وجود “مؤامرة” عقيدية ما، يتولى السوبر هيرو أمر القضاء عليها وحماية إيمان الكنيسة الجامعة منها، الكنيسة الجامعة بقيادة الكنيسة القبطية طبعاً وحامى إيمانها، كتابة “مؤدلجة” أكدتها الصورة النمطية اللى اتقدمت بيها شخصيات “كيرلس” و “ديسقوروس” فى تانية وتالتة إعدادى، نفس المؤامرة، نفس الصوباع، ونفس المركزية والأستاذية القبطية للعالم المسيحى.


دى ماكانتش أول مرة أسمع فيها عن أثناسيوس،…

أول مرة كانت وانا طفل ما اتعداش عمرى 5 سنين، المرة دى كانت فى قصة الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس اللى كانت امى بتحكيهالى بشكل شبة متكرر، وإزاى الأنبا أنطونيوس نزل مخصوص يجيب استيخارة “القديس أثناسيوس الرسولى” عشان يكفن بيها الأنبا بولا، بغض النظر عن مدى صحة القصة تاريخياً، إلا إنها انطبعت فى وجدانى عن طريق أيقونة قبطية لأنطونيوس، (لسة فاكر تفاصيل منها لحد دلوقتى) أيقونة على طريقة إيزاك فانوس، بخط قبطى رفيع، وملامح نحيلة لأنطونيوس مع طول قامة ورداء بُنِّى ….

لكن فضل السر اللى بيغلف اسم أثناسيوس الرسولى، مين دا يعنى عشان يمشور القديسين وينزلهم م البرية ولازم يتكفن بجلابيته الأنبا بولا نفسه؟!! … السر دا اتعالج ايديولوجياً فى قصة المهرجان، واللى إن كانت إجابت عنه إجابة شافية وقتها، إلا إنها مع التطور المعرفى ما قدرتش تشفى غليله بشكل كامل ..

محاولة إكتشاف “سر أثناسيوس” بالنسبة لى لم يُشبعها دراسة الآبائيات طول مرحلة جامعة، ولا الكلام عن التسليم الرسولى، ولا محاولة الدفاع عن عقيدة مساواة الابن من الآب كعقيدة متعالية/مفارقة لواقعى الإنسانى والنفسى …

فى 2011 اتعرفت على كيركيغارد عن طريق بريتوف برانت، اتأثرت جداً بالفلسفة الوجودية، واشتريت مخصوص من معرض 2012، انجيلى الجديد، كتاب “الوجودية” لجون ماكورى ( القس الأنجليكانى، وناقل الوجود والزمن لهيديجر إلى الإنجليزية) واللى أدرج فيه غريغوريوس النيسى وأثناسيوس وأغسطينوس ( بكتابه الإعترافات) من ضمن الإرهاصات الأولى للوجودية فى الفكر البشرى …

الفكرة ابتدت تلعب ف دماغى تانى 🙂 “سر أثناسيوس” …

نخورت عن الموضوع، عملت ساعتها قراءة سريعة لخالد انادوليوس بجزئيه، أثناسيوس يمتلك لاهوت كامل لـ”الوجود والعدم، بتصور مسيحى أرثوذكسى خالص، ممكن نحطه جنب هيدجر وسارتر فى الفلسفة المعاصرة، أو جنب صدر الدين الشيرازى فى الفلسفة الشيعية، تعبيرات أثناسيوس عن الوجود والعدم تعبيرات ديناميكية حركية، مش ستاتيكية أنطولوجية فقط (كعادة افكر الآبائى)، زى ما شرح **Matthew Craig Steenberg، دا اللى كتبت عنه فى “خريستولوجيا الوجود” فى 2013، والأمر اللى يؤهل اثناسيوس انه يكون مصدر أولى لفلسفة مسيحية وجودية متكاملة، وبأسس عقيدية أرثوذكسية، كنت مبهور جداً جداً، لأن دا كان مشروعى اللاهوتى وقتها ..

دلوقتى … ما اقدرش أتصور اثناسيوس إلا كثائر وجودى، قرر انه يرمى نفسه فى قلب التجربة الوجودية اللى ربنا دعاه إليها، بلا كرسى للبطريركية، ولا عصا للرعاية، ولا كتابات نظامية …
هذا الإختيار الحدى والفارق جداً بين الوجود الحقيقى والعدم التام، أثناسيوس اختار إنسانيته فى اختياره للابن الوحيد، اختار الوجود، قبل ما يختار الفكر أو التقليد أو العقيدة، أثناسيوس اختار الحياة و أخد موقفه الوجودى منها، وهنا علة بطولته …

فى أكتر من نسخة لأثناسيوس، نسخة مؤدلجة كـ”حامى إيمان” تُستَلهَم منها بشكل مزيف وقمىء كل أنواع المظاهر العصابية اللى بنشوفها فى الوسط القبطى، ونسخة الثائر الوجودى الحر اللى بييعيش فلسفته إلى المنتهى …
أُفضِّل الثانية أبدًا ..


St. Athanasius (1883–84), by Carl Rohl-SmithFrederik’s ChurchCopenhagen, Denmark

الوسوم:

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *